الخميس، 1 مارس 2012

فوجـا... عمرو الجندي



... قراءة في رواية "فوجا" لـ عمرو الجندي...

بكلمات قليلة غامضة - نُقشت مع آثار كف دموية بريشة (أحمد مراد) على الخلفية - جذبنا  (عمرو الجندي) إليها، وأما عن غلافها الأمامي فيتصدره... قتيل!..
هي "فوجا"، التي همست لنا - سطورها الحية جداً – في ختام سردها الشيق قائلة: "من هو ذلك الداهية الذي فعل كل شيء؟ قتل وسرق وحاول أيضاً أن يزج بمظلوم في السجن، من هو صانع السيناريو؟ من هو ذلك المخرج العظيم؟"
نعم تماماً كما توصلتم الآن، إن (عمرو الجندي) يأخذنا في رحلة إلى عالم الجريمة مع روايته الجديدة "فوجا"!.. لكن، ماهي الــ "فوجا"؟.. نعم هي مرض الهروب، لكن السؤال حقاً هنا الهروب مم؟.. ولم؟.. وإلى أين؟
  في البداية أدخلنا الكاتب إلى صوت أفكار (حسين)، ليسرد لنا معالم جريمة وقعت في ليلة صاخبة دون شعور أحد إلا هو، وبعد دقائق نجد أنفسنا أمام عدة أسئلة - نبتت في عقله- لتبقى معلقة فوق رؤوس القراء حتى مشهد النهاية في أسلوب شكسبيري لا تحصل معه على لحظة التنوير إلا بنهاية السرد. وبهذا نجد أن (الجندي) لم يتخل عن لونه الفلسفي كما يبدو للوهلة الأولى، بل اتجه بنا لنحياه ولنكتشفه في نفوسنا.
كانت الجريمة مركبة، وجاء مشهدها ومشهد اكتشاف (حسين) لها بارعاً وحياً جداً، كما لو كنا نشاهد شريطاً سينمائياً. أيضاً تصوير حديثه لنفسه متقناً جداً بكل ما انتابه من توتر فجر الكثير من التساؤلات في نفسه عن نفسه.
في الرواية هناك ثلاث أصوات تنقل لنا الحدث، (حسين) الذي أؤيد بشدة توقفه عن السرد فور وقوع الجريمة, تلاه صوت الراوي الذي يلاحق الأحداث ويرويها بعيون كل الشخصيات حتى ولو تباينت رؤاهم، مما أفاد الغموض المطلوب في الرواية، وأخيراً صوت (عمرو الجندي) نفسه في تحليله الخارج عن سياق الأحداث، والذي أشعرني أنني أشاهد أحد كهنة (آمون) أثناء حكيه لقصة التاسوع الإلهي الشهيرة، لكن بقدر ما كان هذا ممتعاً بقدر ما شعرت أنه بلا داعي خاصة مع لحظات المصارحة مع النفس التي انتابت كل الشخصيات ضمن الأحداث بالفعل، فكان يكفي أحد الأمرين.
قابلت العديد من التراكيب اللفظية غير المعتادة، كأن يقول (يقدح زناد الأمان).. أو (ينحرها ألف مرة).. أو (تجشأ الخوف)، ورغم أنها خدمت غموض الحدث لكن كثرة استخدام الكاتب لها أربكني أحياناً.
في نهاية الفصل الثاني نوه الكاتب عن أذان الفجر، فجاءت تلاوته لنص الأذان زائداً في غير فائدة لختام المشهد، وعلى العكس كان أفضل لو فاجئنا بنص الأذان دون مقدمات.
في نهاية هذا الفصل كان الكاتب قد استعرض لنا كل الشخوص بما جعل لدينا يقيناً أن كلها متورطة في الجريمة بصورة ما، وبقينا نؤكد وننفي ونعيد ترتيب كيفية تورطهم – كما نفعل في قطع البازل – حتى نهاية الراوية.
"سآتي إليك في الحال، أوه بالمناسبة لقد أرسلت لك تقرير المباحث، تباً للنسيان"
جاءت تلك الجملة الحوارية في الفصل الثالث، واستوقفني كثيرا كلمة  "أوه" -  OH المخالفة لسياق حوارنا العربي فهي كلمة غربية معبرة عن الدهشة أو ما شابه، لكن ربما أتت في هذا الموضع نظراً لتأثر الكاتب بدراسته للأدب الغربي.
مشا هد التحقيقات كانت أكثر من رائعة، جذبتني لأتابعها في شغف وفي كل مشهد أتوقع فاعل أو عدة فاعلين، لأعود في المشهد التالي لأراجع أفكاري مرة أخرى!.. وبذلك نجح الكاتب جداً في إبقاء أذهاننا متيقظة على الدوام.
في الفصل الخامس تنحل الجريمة المركبة بشكل وتتعقد بآخر، فبعد أن كان لدينا قاتل لجريمة واحدة نكتشف أن القتيل مات بطريقة أخرى بخلاف ما فعل القاتل، لنعود ونبحث عمن فعل ما لم يفعله الفاعل الأول.
قُرب النهاية استعرضنا مع وكيل النيابة كل الشخوص بكل دوافعهم، لدينا قتيلين - (اسماعيل) و(كريم) - والغريب أن لدى الجميع دوافع لقتلهما، (حسين) – (صفاء) – وحتى (خالد) والجاريْن المهمشين.
لحظة!.. تتسائلون أين تلك الـ "فوجا" في كل هذا؟!.. حسناً لقد فعلت مثلكم تماماً ليجيبني (حسين) في الفصل قبل الأخير حين بدأت تتكشف له حقيقة "فوجيته" وصدق مردودها على نفسه،
في الفصل الأخير أشار الكاتب لأحد الإجراءات القانونية التي اتخذتها (صفاء) زوجة (اسماعيل) بأنه "إعلان وراثة" واللفظ القانوني السليم هو "إعلام وراثة".. والله أعلم.
في النهاية وجدتني مستمتعة جداً بما قرأت، خاصة بعد أن اتجه (عمرو الجندي) للتعبير عن فلسفته الخاصة بشكل حياتي أكثر، قد يظنه البعض تخلياً عن رمزيته غير أنها كامنة دائماً ها هنا، في مشهد ما أو جملة ما أو..... جريمة ما!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق